الواسابي الياباني: الكنز الأخضر بين الأسطورة والعلم

ينمو الواسابي الياباني في أعماق الجبال الياباني، ويعد من أندر المكونات في المطبخ العالمي. طعمه الحار المميز الذي لا يشبه الفلفل أو الشطة، بل يضرب مباشرة في الأنف وسرعان ما يذوب ليترك أثر فريد. ولكن ما يجب ان تدركه أن الواسابي الحقيقي نادر، ويختلف عن المعجون الأخضر الموجود في أغلب المطاعم حول العالم.

ولتثري معلوماتك حول هذا المكون النادر، سسنتعرض في هذه المقالة كل ما يخص الواسابي، وسنغوص في عالمه، من الجذور حتى الطقوس، ومن الجينات حتى الطهي مروراً بالعلوم والتقاليد اليابانية العريقة للتعامل مع هذا المكون.

ما هو الواسابي

الواسابي أو كما يعرف علمياً باسم Eutrema japonicum وكذلك باسم Wasabia japonica، هو نبات من الفصيلة الصليبية Brassicaceae. تشمل هذه الفصيلة نباتات مثل الفجل والخردل والكرنب. ويعرف الواسابي بإسم الفجل الياباني.
يتم استخدام الواسابي في صناعة البهارات حيث يتميز بنكهته القوية. ذو طعم حاد مقارب للخردل، حيث يتنج أبخرة تعمل على تحفيز الممرات الأنفية أكثر مما تحفز اللسان.
ينمو الواسابي بشكل طبيعي دون تدخل بشري، تجده عادة على ضفاف الأنهار في الوديان الجبلية اليابانية، تبشر سيقانه الأرضية (الجذمور) للحصول على المعجون الطازج.

خصائص الواسابي الياباني

نكهة الواسابي تشبه الخردل أكثر من الفلفل، طعمه لا يلهب اللسان، بل يؤثر بشكل مباشر على الممرات الأنفية ويسبب دموعاً سريعة. المركب الرئيسي المسؤول عن هذه النكهة هو الإيزوثيوسيانات (Isothiocyanates)، وهي مركبات نباتية طيارة تطلق عند بشر الجذمور.

ما هي الإيزوثيوسيانات وكيف تعمل؟

الإيزوثيوسيانات تتفاعل مع مستقبلات حرارية وعصبية موجودة في تجويف الأنف، مما يؤدي إلى إحساس حارق سريع في الأنف والعيون، يختلف كليًا عن الحرارة التي يسببها الكابسيسين الموجود في الفلفل الحار.

الواسابي الأصلي وبدائل

طرق زراعة الواسابي التقليدية

تعد زراعة الواسابي صعبة وحساسة، حيث يتطلب بيئة مثالية تتميز بمعايير خاصة ومن أهم هذه المعايير:

• مياه جارية نقية باردة (8-18°C).
• ظل جزئي وتربة غنية بالحصى.

أهم المناطق الزراعية في اليابان:

• شيزوكا (شبه جزيرة إزو): أشهر مناطق زراعته.
• ناغانو: موطن طرق الزراعة التقليدية منذ مئات السنين.
• شيمانه
• ياماناشي
• إيواته

وكما ويتم زراعة الواسابي اصطناعياً في بعض الأماكن مثل هوكايدو وكيوشو. ونظراً للطلب العالي عليه في اليابان تقوم اليابان باستيراد كميات كبيرة منه من الصين وتايوان ونيوزيلندا.

تأثير التغير المناخي على زراعة الواسابي

ارتفاع درجات الحرارة

الواسابي يحتاج إلى مياه جارية نقية وباردة، بدرجة حرارة تتراوح بين 8 إلى 18 درجة مئوية، ويفضل صيفًا باردًا وشتاءً معتدلاً. مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي، تصبح هذه الظروف أقل توفرًا، مما يعيق نمو النبات بشكل صحي ويقلل من جودة المحصول.

ندرة المياه النقية

الواسابي يزرع عادة في مجاري الأنهار والوديان الجبلية التي توفر بشكل طبيعي مياه عذبة وصافية خالية من الملوثات والمواد الكيميائية. التغير المناخي يؤثر على توفر هذه المياه بسبب تغير أنماط الهطول، الجفاف، والتلوث، مما يهدد استدامة زراعة الواسابي.

بشكل عام، تشير الدراسات إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والتقلبات المناخية تؤدي إلى تقصير دورات حياة النباتات، انخفاض جودة الإنتاج، وزيادة تعرض المحاصيل للأمراض والآفات.
وللتغلب على هذه التحديات تحاول بعض المزارع استخدام الزراعة المائية والبيئات المحمية لتوفير الظروف المثلى لنمو الواسابي.

التغير المناخي يهدد زراعة الواسابي الياباني بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه النقية التي يحتاجها النبات. هذه التحديات تتطلب جهودًا مستمرة لتطوير طرق زراعة متكيفة، والحفاظ على الموارد المائية، لضمان استدامة هذا “الكنز الأخضر” في المطبخ الياباني والعالمي.

مكانة الواسابي في المطبخ الياباني

يمتلك الواسابي أهمية ثقافية وتاريخية عميقة، فنلاحظ حضوره الأساسي في تعزيز نكهات الأطباق اليابانية المتعددة مثل السوشي والساشيمي وغيرها من الأطباق

يستخدم الواسابي بشكل أساسي في إعداد:

• السوشي: لموازنة نكهة السمك دون أن يطغى عليها. كما ويعمل على تطهير الفم من الميكروبات مما يجعله عنصر أساسي في وجبة السوشي.
• الساشيمي: يضاف الواسابي لهذه الوجبة لتعزيز النكهة الطازجة.
• وإلى جانب السوشي والساشيمي يدخل أيضًا في أطباق مثل نودلز السوبا الباردة وفول الناتو المخمر وبعض المقبلات.

ومع ازدياد شعبية المطبخ الياباني، أصبح الواسابي مكون معروف عالمياً. وبسبب ندرة النوع الأصلي وتكلفته العالية، أصبح يستعاض عنه ببدائل أقل جودة في المطاعم خارج اليابان.

رمزية ثقافية وتاريخية

في اليابان القديمة، كان الواسابي يستخدم كعشب طبي لتقوية الهضم والوقاية من التسمم. وكذلك كهدية فاخرة للنبلاء، رمزًا للنقاء والترف. ورد ذكره في وثائق تعود إلى القرن العاشر الميلادي، وقد كان يُزرع في المعابد والمزارع الخاصة بالبلاط الإمبراطوري.

طريقة عمل وتقديم الواسابي

التحضير الصحيح للواسابي يلعب دور كبير في الاحتفاظ بنكهته الفريدة وحرارته التي تميزه، ومن أبرز النقاط التي يجب مراعاتها أثناء تحضيره:

تقليدياً: كان يتم استخدام جذمور الواسابي الطازج، حيث يبشر مباشرة قبل التقديم باستخدام لوح مصنوع من جلد سمك القرش (oroshigane). هذه الطريقة تضمن قوام ناعم ونكهة مميزة حيوية، لأن نكهة الواسابي تبدأ بالتلاشي بعد فترة بسيطة من بشره.

نصيحة: للحفاظ على طعمه، يجب تخزين الجذمور في مكان رطب وبارد، ومراعاة لفه بمنشفة مبللة داخل كيس محكم الإعلاق.

في حال عدم توفر الواسابي الطازج، يمكن استخدام معجون الواسابي الجاهز أو مسحوق الواسابي، ولكن عليك ان تدرك أن نكهة البدائل أقل تعقيداً وحيوية من الواسابي الطازج.

فوائد الواسابي الصحية

فوائد الواسابي الصحية ليست أوهام أو اساطير، بل تم دعمها بعدد من الدراسات العلمية التي تشير لامتلاكه تأثيرات ايجابية. واليكم أبرز الفوائد الصحية للواسابي:

• تعزيز صحة القلب وجهاز الدوران: يحتوي الواسابي على مضادات أكسدة تساعد في تقليل الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية مما يحمي من تجمع الصفائح الدموية ويقلل من خطورة الجلطات والنوبات القلبية.
• الوقاية من السرطان: يحتوي الواسابي على مركبات “الإيزوثيوسيانات” التي ثبتت قدرتها على مكافحة الجذور الحرة وتقليل نمو الخلايا السرطانية، بما في ذلك سرطان القولون، المعدة، الثدي، والجلد. كما يساهم في موت الخلايا السرطانية دون التأثير على الخلايا السليمة.
• تحسين صحة الجهاز التفسي: المركبات الحارة في الواسابي تعمل على تخفيف احتقان الحلق، وتساهم كذلك في تثبيط الجزيئات المسببة للانفلونزا وأمراض الرئة.
• خصائص مضادة للالتهابات: أظهرت الدراسات أن مركبات الواسابي تعمل على تقليل نشاط الإنزيمات والجزيئات المسؤولة عن الالتهابات.
• تعزيز الهضم وصحة الجهاز الهضمي: أثبتت بعض الدراساتأن الواسابي يساعد في تخفيف التهابات الجهاز الهضمي وتحسين صحة الأمعاء، كما يقلل من مخاطر متلازمة تسرب الأمعاء
• دعم الجهاز المناعي وصحة العظام: يحتوي الواسابي على فيتامينات ومعادن تعزز مناعة الجسم وتدعم صحة العظام.
• تحسين القدرات الذهنية: أظهرت دراسة يابانية أن الواسابي يلعب دور مباشر في تعزيز الذاكرة والتركيز.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن معظم الدراسات لا تزال أولية، وينبغي استشارة الطبيب قبل استخدامه لأغراض علاجية.

التحديات التجارية

تواجه زراعة الواسابي الياباني عدة تحديات تؤثر على جودته ووفرته في الأسواق العالمية ومن أبرز هذه التحديات:

• صعوبة زراعته واحتياجاته البيئية الخاصة: فهو يعد من النباتات الحساسة، حيث يحتاج لبيئة وظروف نادرة تجعل زراعته مكلفة ومعقدة مما يحد الإنتاج المحلي.
• ندرة الإنتاج وارتفاع أسعاره: الإنتاج محدود ولهذا الواسابي الأصلي مكلف للغاية، حيث يصل سعره إلى مئات الدولارات للكيلوغرام الواحد. هذه الأسباب تدفع المطاعم والمستهلكين لاستخدام بدائل أقل جودة مثل معجون الواسابي المصنوع من الفجل الحار والصبغات.
• إنتشار البدائل التجارية والتسويق المضلل : ندرة المحصول تقود إلى انتشار البدائل التجارية:معجون، ومسحوق بودرة ونكهات صناعية. وتلجأ بعض الشركات إلى التسويق المضلل، مستخدمة صور الواسابي الحقيقي على منتجات تجارية لا تحتوي عليه.

الواسابي حول العالم

بعد انتشار شعبية الواسابي حول العالم، ازداد الطلب عليه بشكل كبير، ولجأت العديد من الدول لمحاولة انتاج الواسابي محلياً مثل الولايات المتحدة وكندا، ونجحت بذلك لكن كما هو متوقع فجودة المنتج لا زالت تحتلف عن الواسابي الياباني الأصلي.

أبرز الدول التي نجحت بزراعته خارج اليابان:

• الولايات المتحدة (أوريغون، واشنطن).
• كندا.
• المملكة المتحدة.

الواسابي والتوابل الحارة

هل جربت الواسابي الأصلي من قبل؟

إن كنت من عشاق النكهات اليابانية، أو ممن يستمتعون بالتجارب النادرة، فننصحك أن تجرب الواسابي الياباني الأصلي طازجاً. تذوقه أشبه برحلة قصيرة لجبال اليابان، تعيش فيها لحظات النقاء، والحدة، والتعقيد في لقمة واحدة. وعند الشراء، ابحث عن الجذمور الطبيعي.

قناة شبكة أخبار الأنمي على تيليغرام ، اضغط على الأيقونة للذهاب إلى القناة مباشرة!

محتوى حصري ومتجدد يستعرض آخر أخبار الأنمي والمانجا والثقافة اليابانية، تحديثات يومية.